عناية المسلمين بالقرآن عنى المسلمون منذ فجر الإسلام، وانبثاق الهداية الإلهية على ربوع العالم بالقرآن الكريم، مصدر تلك الهداية، ومنبع ذلك الإشراق، عناية كبرى شملت جميع نواحيه، وأحاطت بكل ما يتصل به، وكان لها آثارها المباركة الطيبة في حياة الإنسان عامة، والمسلمين خاصة، أفاد منها العلم، وأفاد منها العقل، وأفاد منها الدين، وأفاد منها الفن، وأفاد منها القانون والتشريع، وأفادت منها الفلسفة والأخلاق، وأفادت منها السياسة والحكم، والاقتصاد والمال، وكل مظهر من مظاهر النشاط الفكري والعملي عرفه الناس في حياتهم المادية والروحية.
ولقد زخرت المكتبة الإسلامية من آثار هذا النشاط العظيم، بل زخرت مكتبات أخرى في لغات أخرى وأمم أخرى بكنوز رائعة يقف العقل أمامها حائراً مشدوهاً يخالجه مزيج من الإعجاب والمهابة، ويملكه معنى عميق من معاني الخشوع أمام هذه العظمة، التي لا كفاء لها إلا الإقرار بالعجز والخضوع. هذا وقد نتجت عن العناية الشديدة بالقرآن الكريم من حيث تفسيره، تنوع التفاسير، فمنها ما يغلب عليه تطبيق قواعد النحو وبيان إعراب الكلمات وبنائها، ومنها ما يغلب عليه بيان نواحي البلاغة والإعجاز، ومنها ما يهتم بالفقه والتشريع وبيان أصول الأحكام ومنها م يقوم بتناول النواحي العلمية أو الاجتماعية أو التربوية التي تضمنها آيات القرآن الكريم.
ويمكن القول بأنه لم يظفر كتاب من الكتب سماوياً كان أو أرضياً في أية أمة من الأمم، قديمها وحديثها، بمثل ما ظفر به القرآن على أيدي المسلمين، ومن شارك في علوم المسلمين. والأبعد من ذلك أن المسلمين، وعلى تفرقهم في البلاد والأقاليم، وبالرغم مما غُزوا وغمروا به من علوم متنوعة، وثقافات متعددة ذات ألوان مادية، وأدبية، واجتماعية، وتشريعية، لا يزالون يعتصمون بالقرآن، ويدينون بقدسية القرآن، ويتآزرون على خدمته.